/ الفَائِدَةُ : (167) /

29/08/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / غائيَّة الخالق (عَزَّ وَجَلَّ) تختلف عن غائيَّة المخلوق / إِنَّ غائيَّة الخالق تختلف عن غائيَّة المخلوق ، فغائيَّته تعالىٰ : أَنَّ الكُلَّ يستعينُ به (جلَّ وتقدَّس) ، ويتوجَّه إِليه وإِنْ كان ملحداً أَو كافراً أَو عابدِ وثنٍ ؛ شعر بذلك أَم لا ، فإِنَّ من فرَّ منه (تقدَّست أَسماؤه) كرَّ إِليه ، فلا ملجأ منه إِلَّا إِليه ، فمَنْ أَلحد أَو أَشرك أَو كفر به أَو عصاه فقد هرب منه ومن أَسماء الجمال والرَّحمة الإِلٰهيَّة والتجئ إِليه وإِلى أَسماء الجلال والقهر والعذاب الإِلٰهيَّة ، فالمطيع يتوجَّه إِليه (عظمت آلاؤه) ويستعين به من خلال الاسم الإِلٰهي : (الرحمٰن ، والرحيم ، والغفَّار ، والوهاب ، والرزَّاق ، والباسط ، والرافع ، والمُعزّ ، والشكور ، والحفيظ ...) ، بخلاف المُلحد والمُشرك والكافر والعاصي ، فإِنَّهم يتوجَّهون إِليه (جلَّ اسمه) ويستعينون به من خلال الاسم الإِلهي : (القهَّار ، والقابض ، والمُذِل ، والمقيت ، والمنتقم ، والمانع ، والضَّار ...) ، فكلٌّ يعبُد اللَّـه ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ـ وليس الاسم ـ ويستعين ويلوذ به ، ويتضعضع ويخشع وينقاد ويفتقر إِليه ، ويستمدُّ منه ، لكن ليس الجميع : عبادة واستعانة ولوذ وتضعضع وخشوع وانقياد وافتقار واستمداد طائع وطاعة ، وإِنَّما بعضها : استعانة ولوذ وتضعضع وخشوع وانقياد وافتقار واستمداد معصية وعاصي . وإِلى كُلِّ هذا تشير بيانات الوحي الإِلٰهي ، منها : 1ـ بيان قوله عزَّ ذكره : [إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا] (1). 2ـ بيان قوله جلَّ ذكره : [وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا] (2). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ قد اتَّضحت . 3ـ بيانه جلَّ ثناؤه : [فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيم] (3). ودلالته قد اتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ (وجه اللَّـه) تارة وجه رحمة ونعمة ، وأُخرىٰ عذاب ونقمة . 4ـ بيان الإِمام الصادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن حماد بن عمرو النصيبي ، قال : « سألتُ جعفر بن مُحمَّد عَلَيْهِما السَّلاَمُ عن التوحيد ، فقال : واحد، صمد ... معروف عند كُلّ جاهل ... »(4). ودلالته قد اتَّضحت أَيضاً . إِذنْ : جملة المخلوقات وفي كافَّة العوالم تتَّجه بفطرتها إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة شعر بذلك المخلوق أَم لا ، لكن : العاصي يتَّجه بفطرته إِليه (جلَّ قدسه) من جهة صراط الجحيم وبئس الورد المورود . وبالجملة : أَنَّه ليس لمخلوق البَتَّة ـ وإِنْ كان غيّاً غاوياً ـ انقطاع تام عن اللَّـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (عزَّ اسمه) ، بل لا بُدَّ له من الاتِّجاه والتوجُّه إِليه (عزَّ وجهه) والإِستعانة به ، لكنَّ اتِّجاه وتوجُّه العاصي ليس اِتِّجاه وتوجُّه واستعانة لدار الجنان وبأسماء الجمال ـ خلافاً لِـمَا توهَّمه ابن عربي(5) وجملة من العرفاء والصوفيَّة ـ وإِنَّما اِتِّجَاه واِسْتِعَانَة إِلى قذف نفسه بين أَغلال ودركات وأَطباق عذاب نار الجحيم ، وبأَسماء الجلال ـ كـ : اسم المنتقم والجبَّار ـ . وقد تقدَّم : أَنَّ جملة أَسماء وصفات وشؤون الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ـ إِلَّا الأُلوهيَّة ؛ لخروجها موضوعاً وتخصُّصاً ـ قد اِنعكست وتجلَّت في حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وحقائق سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، منها : هذه الصِّفة والشأن الإِلٰهيّ ؛ أَي : أَنَّ جملة المخلوقات غير المتناهية وفي كافَّة العوالم غير المتناهية أَيضاً من بداية عَالَم الخلقة إِلى ما لا نهاية مُتَّجهة ومُتوجَّهة إِلى طبقات حقائق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ـ شعرت بذلك المخلوقات أَم لا ـ ومستعينة بهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ)؛ ومُستمدَّة منهم وجودها وحولها وقوَّتها وقدرتها وغناها واستدامتها ـ شعرت بذلك المخلوقات أَم لا ـ . نعم، لكُلِّ مخلوقٍ وجهته واتِّجاهه الخاصّ به لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فإِنْ كان مطيعاً فيتوجَّه إِليهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) بأَسماء وصفات وشؤون الجمال والكمال الإِلٰهيَّة المُتَّصفين بها ؛ كاسم : (الرحمٰن ، والرَّحيم ، والغفَّار ، والوهَّاب ، والرَّافع ، والمُعزّ ...)، وإِنْ كان عاصياً أَو ضالاً ومنحرفاً فيتوجَّه إِليهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) بأَسماء وصفات وشوؤن الجلال والغضب والإِنتقام الإِلٰهيّ المُتَّصفين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بها ، كاسم : (المنتقم ، والقهَّار ، والمُذل، والمقيت، والضَّار ...)، فمَنْ فرَّ منهم عاد إِليهم . وإِلى كُلِّ هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... ويطيعنا كُلّ شيءٍ حتّىٰ السَّماوات والأَرض ، والشَّمس والقمر والنجوم ، والجبال والشَّجر والدواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ... ومع كلّ هذا نأكل ونشرب ونمشي في الأَسواق ... »(6). ثانياً : بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَبي حمزة ، قال : « قال له رجل : كيف سُمِّيت الجمعة؟ قال : إِنَّ اللّٰـه عَزَّ وَجَلَّ جمع فيها خلقه لولاية مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ووصيِّه في الميثاق ، فسمَّاه يوم الجمعة ؛ لجمعه فيه خلقه »(7). ثالثاً : بيان إِمضاء الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن وهب بن منبّه ، قال : « إِنَّ موسىٰ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نظر ليلة الخطاب إلى كلِّ شجرةٍ في الطُّور، وكلّ حجرٍ ونباتٍ ينطق بذكر مُحمَّد واثني عشر وصيّاً له من بعده ، فقال موسىٰ : إِلٰهيّ ، لا أَرىٰ شيئاً خلقته إِلَّا وهو ناطق بذكر مُحمَّد وأوصيائه الاثني عشر ، فما منزلة هؤلاء عندك ؟ قال : يابن عمران ، إِنِّي خلقتهم قبل أَنْ أخلق الأَنوار ، خلقتهم في خزانة قدسي ، ترتع في رياض مشيِّتي ، وتتنسَّم من روح جبروتي ، وتشاهد أَقطار ملكوتي حتَّىٰ إِذا شئتُ بمشيَّتي أَنفذتُ قضائي وقدري ، يابن عمران، إِنِّي سبَّقت بهم السَّبَّاق حتَّىٰ أُزحزح بهم جناني ، يابن عمران ، تمسَّك بذكرهم ؛ فإِنَّهم خزنة علمي ، وعيبة حكمتي ، ومعدن نوري . قال حسين بن علوان : فذكرتُ ذلك لجعفر بن محمَّد عَلَيْهِ السَّلاَمُ فقال : حَقٌّ ذلك... »(8). رابعاً : بيانه ـ أي : الإِمام الصَّادق ـ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... والَّذي نفسي بيده ، لملائكة اللّٰـه في السَّماوات أَكثر من عدد التراب (في الأَرض) ، وما في السَّمآء موضع قدم إِلَّا وفيها ملك (يُسبح للّٰـه ويُقدِّسه) ، ولا في الأَرض شجرة ولا مِثْل غرزة إِلَّا وفيها ملك موكّل بها؛ يأتي اللّٰـه كلّ يومٍ بعملها(9) ـ واللّٰـه أعلم بها ـ وما منهم أحد إِلَّا ويتقرَّب إِلى اللّٰـه في كُلِّ يومٍ بولايتنا أَهل البيت، ويستغفر لمحبّينا ، ويلعن أَعدائنا ، ويسأل اللّٰـه أَنْ يُرسل عليهم العذاب إِرسالاً »(10). خامساً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، مخاطباً رَجُلٌ من أهل اليمن : « ... علم عَالِم المدينة ... يسير في ساعة من النهار مسيرة الشَّمس سنة حتَّىٰ يقطع اثنىٰ عشر أَلف عَالَم مثل عَالمَكم هذا ، وما يعلمون أَنَّ اللّٰـه خلق آدم ولا إبليس ، قال : فيعرفونكم ؟ قال : نعم ، وما افترض عليهم إِلَّا ولايتنا ، والبراءة مِنْ عدونا »(11). سادساً : بيان زيارة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « ... يا آل رسول اللّٰـه ... يتقرَّب أَهل السَّمآء بحبِّكم ، وبالبراءة من أَعدائكم ، وتواتر البكاء على مصابكم ، والإِستغفار لشيعتكم ومحبّيكم ... »(12). ودلالتها قد اِتَّضحت أَيضاً ؛ فإِنَّ الثَّابت في البراهين الوحيانيَّة والعقليَّة : أَنَّ جملة المخلوقات طائعة ومُسلِّمة للّٰـه (تعالىٰ ذكره) تكويناً ، شعرت بذلك المخلوقات أَم لا . فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله تبارك وتعالىٰ : [أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا] (13). 2ـ بيان قوله جلَّ قوله : [ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ] (14). وحيث إِنَّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ هم الوسيلة والواسطة الإِلٰهيَّة الحصريَّة بينه (جلَّ شأنه) وبين سائر العوالم وجملة المخلوقات ، ولا يمكن وصول مخلوق أَو شأن من شؤونه وأَعماله وعباداته قَطُّ إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة إِلَّا من خلال إِطاعتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) والتَّشَبُّث بهم تكويناً ، وقد ثبت ـ فيما تقدَّم ـ : أَنَّ جملة المخلوقات طائعة وساجدة وذاكرة ومسبحة دائماً للّٰـه تكويناً ، فتكون جميعها طائعة تكويناً لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بالتَّبع ، شعرت بذلك المخلوقات أَم لا . مضافاً : أَنَّه ثبت في الأَبحاث السَّابقة : أَنَّ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة بعدما كانت حقيقتها فانية في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة انعكست فيها جميع شؤون وصفات وأَسماء الذَّات المُقدَّسة إِلَّا الأُلوهيَّة ، ومن شؤون الذَّات المُقدَّسة : أَنَّه أَسلم للّٰـه ما في السَّماوات والأَرض كذلك يكون شأن طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مريم: 93. (2) النساء: 78. (3) البقرة: 115. (4) بحار الأَنوار، 4: 286/ح18. (5) لَا بَأْسَ بالْاِلْتِفَات في المقام إِلى الأَمرين التَّاليين : الأَمر الأَوَّل : /مسلك ابن عربي في الفصوص مسلك جبريّ/ إِنَّ صريح مسلك ابن عربي في كتاب الفصوص مسلك جبريٌّ ، كما ذكر ذلك بصريح عبائره في موارد عديدة ؛ ظنّاً منه بأَنَّه معلمٌ توحيديٌّ . لكنَّه زلل معرفي وتوحيديّ . الأَمر الثَّاني: /أَصل فكرة كتاب الفصوص لابن عربي مأخوذة من بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ إِنَّ أصل فكرة كتاب الفصوص لابن عربي مأخوذة من بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . نعم أَخذ من الصوفيَّة أَيضاً ، لكن حيث إِنَّ الصُّوفيَّة من الفرق الباطنيَّة ، والباطنيَّة باتِّفَاق جملة المسلمين أَنَّها مُتشعِّبَة عن مدرسة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فيعود أَصل ما أَخذه من الصوفيَّة لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فعادت أَصل فكرة كتابه إِلى بياناتهم ( صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) . (6) بحار الأَنوار، 26: 7/ح1. (7) بحار الأَنوار، 55: 370. الكافي، 3: 415. (8) بحار الأَنوار، 26: 308 ـ 309/ح73. المحتضر: 151 . (9) خ . ل: (بعلمها). (10) بصائر الدرجات، 1: 152 ـ 153/ح283 ـ 9. تفسير القمي، 2: 255. (11) بصائر الدرجات، 2: 270/ح1433 ـ 16. الاختصاص: 319. (12) بحار الأَنوار، 99: 164. (13) آل عمران: 83. (14) التغابن: 1